سورة الأحزاب - تفسير تفسير الألوسي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأحزاب)


        


{إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (10)}
{إِذْ جَاءوكُمْ} بدل من {إِذ جَاءتْكُمُ} [الأحزاب: 9] بدل كل من كل، وقيل: هو متعلق بتعملون أو ببصيرًا {مِنْ} من أعلى الوادي من جهة المشرق والإضافة إليهم لأدنى ملابسة، والجائي من ذلك بنو عطفان. ومن تابعهم من أهل نجد. وبنو قريظة. وبنو النضير {فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ} من أسفل الوادي من قبل المغرب، والجائي من ذلك قريش ومن شايعهم من الأحابيش. وبني كنانة. وأهل تهامة، وقيل: الجائي من فوق بنو قريظة. ومن أسفل قريش. وأسد. وغطفان. وسليم، وقيل: غير ذلك.
ويحتمل أن يكون من فوق ومن أسفل كناية عن الإحاطة من جميع الجوانب كأنه قيل: إذ جاءوكم محيطين بكم كقوله تعالى: {يغشاهم العذاب مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ} [العنكبوت: 55] {وَإِذْ زَاغَتِ الابصار} عطف على ما قبله داخل معه في حكم التذكير أي حين مالت الأبصار عن سننها وانحرفت عن مستوى نظرها حيرة ودهشة.
وقال الفراء: أي حين مالت عن كل شيء فلم تلتفت إلا إلى عدوها {وَبَلَغَتِ القلوب الحناجر} أي خافت خوفًا شديدًا وفزعت فزعًا عظيمًا لا أنها تحركت عن موضعها وتوجهت إلى الحناجر لتخرج.
أخرج ابن أبي شيبة عن عكرمة أنه قال في الآية: إن القلوب لو تحركت وزالت خرجت نفسه ولكن إنما هو الفزع فالكلام على المبالغة، وقيل: القلب عند الغضب يندفع وعند الخوف يجتمع فيتقلص فيلتصق بالحنجرة وقد يفضي إلى أن يسد مخرج النفس فلا يقدر المرء أن يتنفس ويموت خوفًا، وقيل: إن الرئة تنتفع من شدة الفزع والغضب والغم الشديد وإذا انتفخت ربت وارتفع القلب بارتفاعها إلى رأس الحنجرة، ومن ثم قيل للجبان: انتفخ سحره، وإلى حمل الكلام على الحقيقة ذهب قتادة.
أخرج عنه عبد الرزاق. وابن المنذر. وابن أبي حاتم أنه قال في الآية: أي شخصت عن مكانها فلولا أنه ضاق الحلقوم عنها أن تخرج لخرجت، وفي مسند الإمام أحمد عن أبي سعيد الخدري قال: قلنا يا رسول الله هل من شيء نقوله فقد بلغت القلوب الحناجر؟ قال: نعم اللهم استر عوراتنا وآمن روعاتنا قال: فضرب الله تعالى وجوه أعدائه بالريح فهزمهم الله تعالى بالريح، والخطاب في قوله تعالى: {وَتَظُنُّونَ بالله الظنونا} لمن يظهر الإيمان على الإطلاق، والظنون جمع الظن وهو مصدر شامل للقليل والكثير، وإنما جمع للدلالة على تعدد أنواعه، وقد جاء كذلك في أشعارهم أنشد أبو عمرو في كتاب الألحان:
إذا الجوزاء أردفت الثريا *** ظننت بآل فاطمة الظنونا
أي تظنون بالله تعالى أنواع الظنون المختلفة فيظن المخلصون منكم الثابتون في ساحة الإيمان أن ينجز سبحانه وعده في إعلاء دينه ونصرة نبيه صلى الله عليه وسلم، ويعرب عن ذلك ما سيحي عنهم من قولهم: {هذا مَا وَعَدَنَا الله وَرَسُولُهُ} [الأحزاب: 22] الآية، أو أن يمتحنهم فيخافون أن تزل أقدامهم فلا يتحملون ما نزل بهم، وهذا لا ينافي الإخلاص والثبات كما لا يخفى، ويظن المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما حكى عنهم في قوله تعالى: {وَإِذْ يَقُولُ المنافقون} [الأحزاب: 12] الآية. وأخرج ابن جرير. وابن أبي حاتم عن الحسن أنه قال في الآية: ظنون مختلفة ظن المنافقون أن محمدًا صلى الله عليه وسلم وأصحابه يستأصلون وأيقن المؤمنون أن ما وعد الله ورسوله حق وأنه سيظهر على الدين كله، وقد يختار أن الخطاب للمؤمنين ظاهرًا وباطنًا واختلاف ظنونهم بسبب أنهم يظنون تارة أن الله سبحانه سينصرهم على الكفار من غير أن يكون لهم استيلاء عليهم أولًا، وتارة أنه عز وجل سينصر الكفار عليهم فيستولون على المدينة ثم ينصرهم عليهم بعد، وأخرى أنه سبحانه سينصر الكفار بحيث يستأصلونهم وتعود الجاهلية، أو بسبب أن بعضهم يظن هذا وبعضهم يظن ذاك وبعضهم يظن ذلك. ويلتزم أن الظن الذي لا يليق بحال المؤمن كان من خواطر النفس التي أوجبها الخوف الطبيعي ولم يمكن البشر دفعها ومثلها عفو، أو يقال: ظنونهم المختلفة هي ظن النصر بدون نيل العدو منهم شيئًا وظنه بعد النيل وظن الامتحان وعلى هذا لا يحتاج إلى الاعتذار، وأيًا ما كان فالجملة معطوفة على {زَاغَتِ} وصيغة المضارع لاستحضار الصورة والدلالة على الاستمرار، وكتب {الظنونا} وكذا أمثاله من المنصوب المعرف بأل كالسبيلا والرسولا في المصحف بألف في آخره، فحذفها أبو عمرو وقفًا ووصلًا، وابن كثير. والكسائي وحفص يحذفونها وصلًا خاصة ويثبتها باقي السبعة في الحالين. واختار أبو عبيد. والحذاق أن يوقف على نحو هذه الكلمة بالألف ولا توصل فتحذف أو تثبت لأن حذفها مخالف لما اجتمعت عليه مصاحف الأمصار ولأن إثباتها في الوصل معدوم في لسان العرب نظمهم ونثرهم لا في اضطرار ولا في غيره، أما إثباتها في الوقف فيه اتباع الرسم وموافقة لبعض مذاهب العرب لأنهم يثبتون هذه الألف في قوافي أشعارهم ومصاريعها ومن ذلك قوله:
أقلي اللوم عاذل والعتابا ***
والفواصل في الكلام كالمصاريع، وقال أبو علي: إن رؤوس الآي تشبه بالقوافي من حيث كانت مقاطع كما كانت القوافي مقاطع.


{هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا (11)}
{هُنَالِكَ} ظرف مكان ويستعمل للزمان وقيل: إنه مجاز وهو أنسب هنا، وأيًا ما كان فهو ظرف لما بعده لا لتظنون كما قيل أي في ذلك الزمان الهائل أو في ذلك المكان المدحض {ابتلى المؤمنون} أي اختبرهم الله تعالى، والكلام من باب التمثيل، والمراد عاملهم سبحانه وتعالى معاملة المختبر فظهر المخلص من المنافق والراسخ من المتزلزل، وابتلاؤهم على ما روي عن الضحاك بالجوع، وعلى ما روي عن مجاهد بشدة الحصار، وعلى ما قيل بالصبر على الإيمان.
{وَزُلْزِلُواْ زِلْزَالًا شَدِيدًا} أي اضطربوا اضطرابًا شديدًا من شدة الفزع وكثرة الأعداء، وعن الضحاك أنهم زلزلوا عن أماكنهم حتى لم يكن لهم إلا موضع الخندق، وقيل: أي حركوا إلى الفتنة فعصموا. وقرأ أحمد بن موسى اللؤلؤي عن أبي عمرو {زلزلوا} بكسر الزاي قاله ابن خالويه، وقال الزمخشري: وعن أبي عمرو إشمام زاي زلزلوا وكأنه عني أشمامها الكسر ووجه الكسر أنه اتبع حركة الزاي الأولى لحركة الثانية ولم يعتد بالساكن كما لم يعتد به من قال منتن بكسر الميم اتباعًا لحركة التاء وهو اسم فاعل من أنتن. وقرأ الجحدري. وعيسى {وَزُلْزِلُواْ زِلْزَالًا} بفتح الزاي، ومصدر فعلل من المضاعف يجوز فيه الفتح والكسر نحو قلقل قلقالًا، وقد يراد بالمفتوح اسم الفاعل نحو صلصال عنى مصلصل، فإن كان من غير المضاعف فما سمع منه على فعلال مكسور الفاء نحو سرهفه سرهافًا.


{وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا (12)}
{وَإِذْ يَقُولُ المنافقون} عطف على {إِذْ زَاغَتِ} وصيغة المضارع لما مر من الدلالة على استمرار القول واستحضار صورته.
{والذين فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ} ظاهر العطف أنهم قوم لم يكونوا منافقين فقيل: هم قوم كان المنافقون يستميلونهم بإدخال الشبهة عليهم، وقيل: قوم كانوا ضعفاء الاعتقاد لقرب عهدهم بالإسلام. وجوز أن يكون المراد بهم المنافقين أنفسهم والعطف لتغاير الوصف كقوله:
إلى الملك القرم وابن الهمام ***
{مَّا وَعَدَنَا الله وَرَسُولُهُ} من الظفر وإعلاء الدين {إِلاَّ غُرُورًا} أي وعد غرور، وقيل: أي قولًا باطلًا وفي البحر أي أمرًا يغرنا ويوقعنا فيما لا طاقة لنا به روي أن الصحابة بينما يحفرون الخندق عرضت لهم صخرة بيضاء مدورة شديدة جدًا لا تدخل فيها المعاول فشكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ المعول من سلمان رضي الله تعالى عنه فضربها ضربة دعها وبرقت منها برقة أضاء منها ما بين لابتي المدينة حتى لكأن مصباحًا في جوف ليل مظلم فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكبر المسلمون ثم ضربها الثانية فصدعها وبرقت منها برقة أضاء منها ما بين لابتيها فكبر عليه الصلاة والسلام وكبر المسلمون ثم ضربها الثالثة فكسرها وبرقت برقة أضاء منها ما بين لابتيها فكبر صلى الله عليه وسلم وكبر المسلمون فسئل عن ذلك فقال عليه الصلاة والسلام: أضاء لي في الأولى قصور الحيرة ومدائن كسرى كأنها أنياب الكلاب فأخبرني جبريل عليه السلام أن أمتي ظاهرة عليها وأضاء لي الثانية قصور الحمر من أرض الروم كأنها أنياب الكلاب وأخبرني جبريل عليه السلام أن أمتي ظاهرة عليها وأضاء لي في الثالثة قصور صنعاء كأنها أنياب الكلاب وأخبرني جبريل عليه السلام أن أمتي ظاهرة عليها فأبشروا بالنصر فاستبشر المسلمون وقال رجل من الأنصار يدعى معتب بن قشير وكان منافقًا: أيعدنا محمد صلى الله عليه وسلم أن يفتح لنا مدائن اليمن وبيض المدائن وقصور الروم وأحدنا لا يستطيع أن يقضي حاجته إلا قتل هذا والله الغرور فأنزل الله تعالى في هذا {وَإِذْ يَقُولُ المنافقون} الخ.
وفي رواية قال المنافقون حين سمعوا ذلك ألا تعجبون يحدثكم ويعدكم ويمنيكم الباطل أنه يبصر من يثرب قصور الحيرة ومدائن كسرى وأنها تفتح لكم وأنتم تحفرون الخندق ولا تستطيعون أن تبرزوا فأنزل الله تعالى قوله سبحانه: {وَإِذْ يَقُولُ المنافقون} ووجه الجمع على القول بأن القائل واحد أن الباقين راضون بذلك قابلوه منه، والظاهر أن نسبة الوعد إلى الله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام بعنوان الرسالة من المنافقين الذين لا يعتقدون اتصافه صلى الله عليه وسلم بالرسالة ولا أن الوعد وعد الله تعالى شأنه كانت من باب المماشاة أو الاستهزاء وإن كانت قد وقعت من غيرهم فهي بالتبعية لهم.
ويجوز أن يكون وقوع ما ذكر في الحكاية لا في كلامهم ويستأنس له بما وقع في بعض الآثار وبعضهم بحث عن إطلاق الرسول عليه صلى الله عليه وسلم فقال إنه في الحكاية لا في كلامهم كما يشهد بذلك ما روي عن معتب أو هو تقية لا استهزاء لأنه لا يصح بالنسبة لغير المنافقين فتأمل ولا تغفل.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8